اردوغان والأسد- تقارب تركي سوري يلوح في الأفق، المصالح تتغلب على العقبات؟

المؤلف: د. سعيد الحاج10.22.2025
اردوغان والأسد- تقارب تركي سوري يلوح في الأفق، المصالح تتغلب على العقبات؟

تشير أحدث تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بداية حقبة جديدة في العلاقات مع سوريا، مع إمكانية إحياء الروابط التي كانت قائمة في السابق، بما في ذلك عقد اجتماع محتمل مع الرئيس بشار الأسد. على الرغم من وجود تحديات وعقبات جمة تعترض طريق تحقيق هذه الخطوة في الوقت الراهن، إلا أنها تبدو مُرجحة نظرًا للمصالح المشتركة التي يمكن أن تعود بالنفع على كلا الطرفين.

مسار التقارب

منذ عام 2021، اتخذت تركيا مسارًا مُمنهجًا لتحسين علاقاتها مع جملة من الأطراف الإقليمية التي شهدت خلافات معها على مدار العقد الماضي. خلال السنوات الثلاث المنصرمة، استعادت تركيا علاقاتها على مستوى رؤساء الدول مع كل من المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية، ودولة الاحتلال (قبل أن تتأثر سلبًا بالعدوان على غزة). كما أحرزت خطوات ملموسة مع أطراف إقليمية أخرى.

فيما يتعلق بسوريا تحديدًا، شهدت العلاقات مع الحكومة السورية تحولًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، إذ انتقلت من قناة أمنية محدودة النطاق، وعبر الوساطة الروسية، إلى لقاءات أوسع نطاقًا، ثم إلى علاقات على المستوى العسكري، وتلتها تصريحات من مسؤولين سياسيين ودبلوماسيين، وصولًا إلى اجتماع وزيري خارجية البلدين، مولود جاويش أوغلو وفيصل المقداد، في شهر مايو/أيار 2023. وقد رأينا في حينه أن هذا المسار يمثل تطورًا حقيقيًا ومستدامًا – وليس إجراءً تكتيكيًا مؤقتًا – لأنه يقوم على تحليل دقيق للتطورات السابقة، وعلى قناعة لدى صانع القرار التركي بضرورة تغيير الاستراتيجية المتبعة في المنطقة برمتها.

اليوم، وبعد انقضاء ضغوط الانتخابات الرئاسية، تزداد وتيرة التصريحات التركية التي تتناول العلاقات مع الحكومة السورية. ففي الرابع والعشرين من شهر يونيو/حزيران الماضي، صرح وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، بأن "أهم إنجاز حققته تركيا وروسيا في سوريا هو وقف القتال بين الحكومة والمعارضة"، مؤكدًا على ضرورة "توحيد سوريا، حكومة ومعارضة، في مكافحة الإرهاب". وأشار فيدان إلى أن تركيا كانت تأمل في أن تستفيد الحكومة من وقف إطلاق النار للتصالح مع المعارضة، وحل المشاكل الدستورية، وإعادة الملايين من اللاجئين، وتحسين الاقتصاد، لكنها "لم تستفد كما ينبغي".

بعد ذلك بأيام قليلة، أعلن الرئيس التركي أنه لا يوجد ما يمنع إقامة علاقات مع سوريا "بنفس الطريقة التي اتبعناها في الماضي"، مستذكرًا قوة ومتانة هذه العلاقات في السابق، بما في ذلك عقد لقاءات عائلية مع "السيد الأسد"، وملمحًا إلى إمكانية تكرار ذلك مجددًا. وخلال عودته من اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون في أستانا، ذكر أردوغان أنه قد يوجه دعوة لكل من بوتين والأسد لزيارة تركيا، مشيرًا إلى أن المنظمات مثل حزب العمال الكردستاني ووحدات الحماية وتنظيم الدولة هي الجهات التي لا ترغب في حدوث تقارب بين تركيا وسوريا، و"لا تريد لسوريا أن تنهض من جديد".

كما أفادت تقارير إعلامية عن اجتماعات تركية – سورية عقدت مؤخرًا، أحدها في قاعدة حميميم (وهو ما نفاه النظام السوري)، بالإضافة إلى إعلان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، عن وساطة بلاده بين أنقرة ودمشق، مشيرًا إلى قرب تحقيق "بعض الخطوات في هذا الاتجاه".

لماذا؟

في سياق دوافع أنقرة للتقارب مع الحكومة السورية، تبرز عوامل مشتركة مع مسار التقارب مع الأطراف الأخرى المذكورة، وعلى رأس هذه الأسباب توجهات الإدارة الأميركية الجديدة (آنذاك) برئاسة جو بايدن، وطَي صفحة ما يُسمى بالربيع العربي، وهدوء حدة العديد من النزاعات والملفات الإقليمية دون تحقيق نصر حاسم لأي طرف، وباستنزاف جميع الأطراف المعنية، بالإضافة إلى ضغوط الانتخابات الرئاسية التركية وحساسيتها، وتأثير كل ذلك على الملف الاقتصادي الذي يحتل الأولوية القصوى بالنسبة لأنقرة في المرحلة الراهنة.

بالإضافة إلى هذه العوامل المشتركة، توجد عوامل أخرى مرتبطة بالملف السوري على وجه الخصوص، وفي مقدمتها قضية المنظمات الانفصالية في الشمال السوري، ومسألة اللاجئين السوريين في تركيا، وهما قضيتان شهدتا تطورات مهمة في الآونة الأخيرة.

تعمل أنقرة منذ سنوات على الملف السوري مع إعطاء الأولوية القصوى لمنع تأسيس كيان سياسي "كردي" تابع لحزب العمال الكردستاني الانفصالي في شمال سوريا، وقد ساهمت عملياتها العسكرية في إضعاف مقومات هذا الكيان إلى حد كبير. إلا أن ذلك لم يؤدِ إلى القضاء على هذا المشروع تمامًا، وذلك بسبب الدعم الأميركي – من حيث التمويل والتسليح والتدريب – بما في ذلك الوجود العسكري المباشر، الأمر الذي عقّد حسابات أنقرة فيما يتعلق بتنفيذ عملية عسكرية إضافية هناك.

في الآونة الأخيرة، دعت الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا إلى إجراء انتخابات بلدية في شهر يونيو/حزيران الماضي، وهو ما اعتبرته أنقرة "مقدمة للانفصال"، قبل أن يتم تأجيلها "استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية المشاركة فيها"، على حد قول مفوضية الانتخابات، ولكن أيضًا بسبب الرفض الأميركي والتحذيرات التركية، كما هو واضح.

من جانب آخر، انفجرت قضية اللاجئين السوريين في تركيا مؤخرًا، بعد أن عادت أحزاب المعارضة للتركيز عليها بشكل ملحوظ، واستمرار حملات "العودة الطوعية" للسوريين المقيمين على الأراضي التركية، والتي تواجه انتقادات من قبل أطراف سورية فيما يتعلق بآلية التنفيذ، فضلًا عن الأحداث العنصرية المؤسفة التي تخللتها اعتداءات على السوريين وممتلكاتهم في مدينة قيصري.

باختصار، ترى أنقرة أن تطوير العلاقات مع دمشق سيساهم في مواجهة المشاريع الانفصالية في شمال شرق سوريا، بالإضافة إلى تهيئة الظروف لعودة الملايين من السوريين المقيمين في تركيا. علاوة على ذلك، فإن العلاقات الطبيعية – أو شبه الطبيعية – مع دمشق ستعزز التجارة بين البلدين، وسينعكس ذلك إيجابًا على الاقتصاد التركي، حيث أن القطيعة كانت سببًا في خسارة تركيا لسوريا كبوابة تجارية إلى العالم العربي.

كما أن التلويح بإقامة علاقات طبيعية مع الحكومة السورية يهدف إلى توجيه رسائل إلى كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية، وتحديدًا الأخيرة التي لا تزال تصر على دعم المنظمات (المسلحة أو الانفصالية) في منطقة شرق الفرات، على الرغم من جميع التحفظات التركية، وتأكيد أنقرة على أن ذلك يمس أمنها القومي. أيضًا، لا يمكن استبعاد دور عدد من التطورات الإقليمية، وعلى رأسها الحرب على غزة، واحتمالات تحولها إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، في هذا التوجه.

فرص اللقاء

على عكس العلاقات مع الدول الأخرى، توجد عقبات حقيقية تعترض طريق تطبيع علاقات أنقرة مع دمشق، وفي مقدمتها عدم استقرار الأوضاع في سوريا، وجمود مسار الحل السياسي، والشروط التي تضعها الحكومة السورية في هذا الخصوص، ومواقف بعض الأطراف الخارجية، فضلًا عن إرث العقد الماضي الذي تميز بموقف تركي رسمي يرفض الاعتراف بالحكومة السورية، والعمليات العسكرية التركية على الأراضي السورية، وغيرها من المسائل.

لهذا السبب، يستبعد الكثيرون عقد لقاء بين أردوغان والأسد، على أساس أن هذه العقبات حقيقية وكبيرة. إلا أن نظرة أعمق على مسار العلاقات بين الطرفين، وكذلك على رؤية كل منهما للآخر وعلى مصالح الطرفين، تشير إلى تحليل مختلف يرى أن أهمية معظم هذه العوائق قد تراجعت. ذلك أن الخطوات العديدة التي اتخذها الجانبان نحو بعضهما البعض قد ساهمت في تبديد الكثير من تداعيات العقد الماضي، لا سيما بعد التراجع الكبير في خطر المعارضة السورية على استقرار الحكومة.

فيما يتعلق بمواقف الأطراف الخارجية، توجد رغبة روسية واضحة، وعدم ممانعة أميركية، فضلًا عن المساعي العربية لإعادة سوريا أو الحكومة السورية إلى المنظومة الرسمية العربية من خلال عضوية جامعة الدول العربية والعلاقات الثنائية، ولا يوجد فيتو إيراني على هذا المسار، بل يمكن القول إن طهران ترحب بذلك وتؤيده في الوقت الحالي.

وبناءً على ذلك، يتبقى عائقان رئيسيان، وهما الشروط المسبقة، وصعوبة تحقيق نتائج ملموسة من اللقاء المفترض. إلا أننا نرجح تحول الشروط المسبقة للتطبيع، مثل انسحاب القوات التركية، إلى ملفات تفاوضية أو حوارية مستقبلًا، كما حدث مع دول أخرى كانت لديها شروط لم يتم تحقيقها، ومن المهم في هذا الصدد الإشارة إلى تراجع شروط الحكومة السورية من "انسحاب القوات التركية" إلى "الإعلان عن الاستعداد للانسحاب".

كما أنه ليس من الضروري أن يسفر اللقاء أو ما يليه مباشرة عن نتائج ملموسة على شكل قرارات أو تطورات محددة، فاللقاء مطلوب لذاته أولًا، ويحقق مصالح مباشرة وجوهرية للطرفين ثانيًا، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة ومسار مختلف ثالثًا. وإذا كانت مصالح أنقرة واضحة وسبق ذكرها، فإن للحكومة السورية مصلحة حقيقية في اعتراف تركي مباشر ورسمي وكامل بها، وتعاون معها في بعض الملفات، وتحييد ملف المعارضة السورية، وفتح ملف الشمال بطريقة مختلفة، إلى غير ذلك.

وعليه، فإننا نرجح أن يتم عقد اللقاء على المستوى الرئاسي، وحتى لو لم يحدث ذلك قريبًا بسبب بعض العوامل أو طول أمد المفاوضات بين الجانبين، إلا أنهما يسيران في طريق سيؤدي إليه في نهاية المطاف وإن تأخر قليلًا. لقد التقى الرئيس التركي بقادة دول كانت العلاقات معها في غاية التعقيد مثل الحكومة السورية، وربما أكثر، وبالتالي لا ينبغي استبعاد تكرار الأمر مع الأسد، والذي نرى أنه سيتحقق في المستقبل القريب، وسيفرض استحقاقاته على مختلف الأطراف.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة